علي شعيب يطارد «إسرائيل» بالصورة
على مدى عَقْدَين، لمع نجمه كواحد من أبرز المراسلين الميدانيين في جنوب لبنان. وفي الأشهر الأخيرة الماضية، تمكّن من أن يواجه بالصُورة والكلمة «ماكينة إعلامية إسرائيلية» واكبت، ولا تزال، عملية بناء الجدار و«الأشغال الحدودية»، ليعودَ ويفرض نفسه رقماً أساسياً على السّاحة الإعلامية بعيداً من هاجس «السَّبق الصّحافي». في القرى الجنوبية الحدودية، حيثُ حكايات كثيرة لَم تروَ بعد، يجدُ علي شعيب حتماً «مكاناً لرأسٍ طليق ويَدَيْن حُرّتين»
يُشَارف «الإسرائيلي» على الانتهاء من أعمال بناء الجدار الإسمنتي قُبالة بلدتَيْ كفركِلا وعديسة الحدوديَّتَيْن. لكنَّ مُراسل «المنار» علي شعيب يواصل «أعماله» التي تهدف لإظهار فكرة الـ«هشاشة» في الجدار ومن خلفها ضعف منظومة الأمن والحماية الإسرائيليتَيْن. منذ اللحظة التي «تَدَافَش» فيها الرجُل مع جنود العدو بُعَيْد ترسيم «الخط الأزرق» في نقطة «العبّاد» في عام 2000 وصولاً إلى مشهد وقوفه أخيراً على مسافة مترين فقط من جنود الاحتلال في رميش، راكم شعيب مخزوناً كبيراً من ثقافة المواجهة الإعلامية و«أدوات» الحرب النفسيّة مع العدو. حفظ «حركة الإسرائيلي» عند الحدود «ظهراً عن غيب» وبات يَعرفُ معنى أن يقوم جنود الاحتلال بأمرٍ ما ودلالة أن يُحجِموا عن فعل آخر. لا يجدُ شعيب مثلاً تفسيراً مُقنِعاً لتركيب «إسرائيل» عدداً من البوّابات الحديديّة في الجدار قرب كفركلا. يسأل: «في حال وقوع الحرب، ما معنى أن يكون في الجدار بوابة؟». أبعد من ذلك: «ما هي العبرة من بناء جدار غير متّصل بطول 13 كيلومتراً فقط على حدود تبلغ مسافتها 120 كيلومتراً بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة؟» يقول شعيب.
علي شعيب: المصلحة الوطنية أهم من السبق الصحافي، وأنا ضد السبق الصحافي بما له علاقة بالصراع مع العدو تحديداً
«رحلة صيد» في رامية قبالة «منطقة الأشغال»
يعرِفُ علي شعيب أو «رفيقُ الحدود» كما يقولُ عن نفسِه، كيف يختصر الوقت والمسافات في جولاته و«صولاته» شبه اليومية التي اعتادها منذ قرابة عَقدَيْن في كامل المنطقة الحدودية طُولاً وعَرضاً. يكفي مثلاً أن يتَّصل بـ«الشخص المعني» كي يتجاوز الإجراءات الروتينيّة للدخول إلى «منطقة عسكرية مغلقة». يقول: «يُقدِّر الجيش أهميّة ما أقوم به ويقدّمون كلَّ التسهيلات اللازمة والضرورية لحركتي قرب الحدود». في الطريق إلى بلدة رامية (بنت جبيل)، يشير إلى جبل الجرمق أو جبل «ميرون» مقابل مارون الراس وعيترون، حيث يضع العدو منصّة «باتريوت» في أعلى قمَّة في فلسطين المحتلّة. يقول: «قريباً من تلك المنطقة، سقطت أخيراً طائرة مروحيَّة تابعة لشركة الكهرباء الإسرائيلية بعد اصطدامها بأحد الأعمدة المرتفعة». ما لا يرصدُه شعيب بـ«عدسته» الخاصة يتابعه حتماً عبر الإعلام العِبري ومواقعه الإلكترونيّة. يُحاولُ أن لا يفوته أيّ تفصيل على مقربة من الحدود مع لبنان. يكاد لا يمرُّ حدث أو مناسبة على الجانب اللبناني إلا ويكون له فيه بصمته الخاصة. يحصل أن يتلقّى شعيب اتّصالاً من أحد المواطنين من بلدة ميس الجبل يُخبره فيه أنّ أحد المواطنين قضى غرقاً في بركة البلدة. يثق الناس بالرجُل وبمصداقيَّته المهنيّة، والناس هم رصيده الأساسي على ما يقول: «أعرفُ بأحداث كثيرة من خلال الناس، وأُحاول قدر الإمكان أن أغطّيها لا سيّما في الحالات الإنسانيّة الطارئة».
لا ينسى خلال «رحلاته» أن يلتقط صُوَراً لها دلالة أو رمزيّة أو جماليّة. الكاميرا لا تُفارقه البتّة. يمتلك شعيب عينَيْ صقر. على طريق فرعيّة، رَصَد هُدهُداً من مسافة ليست قصيرة. هو «قنَّاص» من نوع آخر. قبل أسابيع قليلة، تمكن من اجتياز منطقة جغرافية وعِرَة ليبلغ منطقة قريبة مقابلة لموقع «الراهب» المُشرف على عيتا الشعب حيث العلم الإسرائيلي يقابل العلم اللبناني على مسافة قريبة جداً. كان الهدف تصوير جزء من دبَّابة الـ «ميركافا» التي «طارت» في عبّوة خلال حرب تموز 2006 وقُتِل فيها أربعة جنود، ولا تزال بعض بقاياها موجودة. قبالة منطقة «الأشغال الإسرائيليَّة» في بلدة رامية، يقف جنديان من الجيش اللبناني وعدد آخر من عناصر الكتيبَتَيْن الإيطاليّة والغانيّة في اليُونيفل وعلي شعيب. ولكن مـا الأمر؟ وفدٌ من قيادة اليونيفل العاملة في الجنوب يزور «الجانب الإسرائيلي» حيث يتابع العدو أشغاله في المنطقة التي أعلن فيها سابقاً عن وجود أحد الأنفاق. لا بدَّ إذاً من أن تكون «الصيدة محرزة» لِصحافيّ مثل شعيب. يلتقط صُوَراً لأدقّ التفاصيل، ويُمارس «لعبته المحبَّبة» في السُخرية من جنود العدو على مواقع التواصل الاجتماعي. يتابع هؤلاء تغريداته وما يعرضه من صور على تويتر. حاول الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي استدراجه غير مرّة إلى ردّ لم ولن يحصل. يصوّر شعيب جنود الاحتلال في حالات معينة تُظهر ضعف صورة الجندي الإسرائيلي. يأتيه الرَّد الإسرائيلي عبر تويتر أيضاً: «نعرفُ كلَّ شيء عنك».
الصحافي كـ«مصدر مسؤول»
يعود علي شعيب أسابيع إلى الوراء متوقّفاً عند «الضجَّة الإعلامية الكبيرة» التي افتعلها العدو في مسألة الـ«أنفاق» المكتشفة عند الحدود. كان الرجل يدرك منذ البداية أن ما جرى ويجري هو «حربٌ دعائية لغايات سياسية إسرائيلية». كيف كان الرد؟ يرى مراسل «المنار» وإذاعة «النور» أنه كان لا بدّ من «إِشْغال» الإسرائيلي في جبهة إعلامية أخرى، فكانت «مشهدية التحدّي» المعروفة في ميس الجبل، والتي نجح عبرها شعيب ومعه مجموعة ناشطين إعلاميين في جرّ الجميع إلى هناك، وبالتالي في الحدّ من وقع «الهمروجة» الإسرائيلية في مسألة «الأنفاق». في تلك «المواجهة»، ركَّز شعيب على «توهين صورة الجندي الاسرائيلي» عبر مجموعة من «اللقطات» التي تحوَّلت إلى مادّة للتندُّر عبر وسائل التواصل. طيلة مسيرته العمَليّة، لم يشعر شعيب يوماً أنه قد ينجرُّ لردّة فعل غير محسوبة تجاه جنود العدو خلال أوقات عمله. يرى أنّ «مجرَّد استمراري في التصوير، رغم الاستفزازات، هو الردُّ الأفضل». يكاد علي شعيب يُجسّد النموذج المُتكامل للمراسل التلفزيوني الذي يقوم بإنتاج «مادّته» بمفرده من دون الحاجة إلى مُصوّر إلا في حالات الضرورة. في سيّارته أو «شريكة الانتصارات» كما يصفها، يضع كلَّ ما يحتاجه أو قد يحتاجه في «حالات الطوارئ» القصوى من معدات تصوير وتقنيات وأجهزة بث وإضاءة وصوت، فضلاً عن أمور لوجستية أخرى. «عمليَّاً سيّارتي هي مكتب صحافي متنقّل». لا يميل شعيب إلى استخدام عبارة «مُراسل حربي»، فالمراسل التلفزيوني برأيه «يفترض أن يكون حاضراً لكل أنواع التغطيات التي تُطلب منه، لكن هناك من يتخصص في هذا النوع من التغطيات الميدانية». شعيب يرى أن كل مراسل أو صحافي يجب أن يسأل نفسه دائماً عن الجدوى من نشر أيّ صورة أو معلومة. يُدرك شعيب جيداً معنى أن يصير الصحافي نفسه مصدراً للخبر أو «مرجعاً» في أمر أو مسألة ما. «المصلحة الوطنية أهم من السبق الصحافي، أنـا ضد السبق الصحافي بما له علاقة بالصراع مع العدو تحديداً».
سيرة حافلة من حدود الجنوب إلى عُمق «البادية»
لا يزال علي شعيب المولود في برج حمود عام 1970، يذكُر يوم قرَّر أن يغادر مكان إقامته في الشيّاح وينتقل بمفرده للعيش في قريته الشرقيّة (النبطية) عام 1986. «كنت أُحِب الاطلاع عن قرب على حركة المقاومة ضد العدو الإسرائيلي». الرّجُل الذي يُديِن لوالده الضرير والحِرفيِّ البارع بأنّه عزّز بداخله الثقة بنفسه وبقدراته، يذكُرُ أيضاً كيف كانت أمُّه «الثورجيّة» تهرّب السلاح للمقاومين وتأتي لهم بأكياس مادة الـ«تي. أن. تي» في أيام الاحتلال. كان من الطبيعي، في هذا المناخ، أن يتشرَّب علي شعيب في سنٍّ مبكّرة فكرة المقاومة في مواجهة الاحتلال. بدأت رحلته مع الإعلام عام 1992 في إطار ما كان يُعرَف بـ«الوحدة الإعلامية» في الجنوب. كانت أوَّل صورة التقطها للسيد عباس الموسوي في جبشيت يوم اغتياله. والمفارقة أنها كانت آخر صورة للموسوي أيضاً. لاحقاً عمل مصوّراً لقناة «المنار» ومراسلاً لإذاعة «النور» مواكباً الاعتداءات الاسرائيلية في المناطق المتاخمة لـ«الحزام الأمني» السابق. لا ينسى أوّل رسالة مباشرة له على الهواء في حرب تموز 1993 حيث لم يكن لديه حينها أيّ تجربة مسبقة على الشاشة. «بوقتها طلعت ع تلة عنّا بالضيعة وثبّتت الكاميرا وشرحت التطورات الميدانية وختمت الرسالة حينها بموقف مُضحِك». لاحقاً تابع شعيب عمله كمصوّر ومُعدّ تقارير وغطّى حرب «عناقيد الغضب» (نيسان/ أبريل 1996) وصولاً إلى عام 1999 الذي يمكن اعتباره بمثابة البداية الفعلية لمسيرته الحالية.
جريدة الاخبار